[center][b]
{الفصل الثاني : القليل من اشعاره}
سنذكر في هذا الفصل القليل من اشعاره التي وردت في كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطي وكتاب مروج الذهب للمسعودي وهي كثيرة ولكننا وسنذكر شيئا قليلا منها:
1- عن نبيط الاشجعي قال: قال علي بن ابي طالب(عليه السلام):
اذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق به، ما الصدر الرحيب
واوطئت المكــــاره واطمــــأنت وارسلت، في اماكنها القلوب
ولم ير لانــكشاف الضر وجـــه ولا اغنـــى بحيــلته الاريــــب
اتاك عــــلى قنوط منــــك غوث يجيء بـه القريب المستجيب
وكــل الحــــادثات اذا تنــــاهت فموصول بها الفـــرج القريب
2- واخرج عن الشعبي قال :قال علي بن ابي طالب(عليه السلام)لرجل كره له صحبة رجل:
فلا تصـــــحب اخــــا الجــــــهل وايـــــــــــــــاك وايـــــــــــــــاه
فكــــــــــم من جـــــــاهل اردى حلــــــــــيما حيــــــن اخــــــاه
يقــــاس المــــــرء بالمــــــرء اذ مـــــــــا هــــو مــــــــــاشاه
قيــــــــــاس النعــــل بالنعــــل اذا مــــــــا هــــــــو حـــــــاذاه
وللقـــــلب عـــــــلى القــــــلب دلـــــــــــيل حيــــــــن يلقــــــاه
3- اخرج عن المبرد قال :كان مكتوبا على سيف علي بن ابي طالب(عليه السلام):
للناس حرص على الدنيا بتدبير وصفوها لـــــك ممزوج بتكدير
لم يرزقوها بعقل بعد ما قسمت لكنـــهم رزقوها بالمقــــــــادير
كم من لبيب اديــــب لا تساعده واحمق نـــال دنيـــاه بتقصــير
لو كــان عن قوة او عن مغالبة طـــار البزاة بأرزاق العصافير
4- عن حمزة بن حبيب الزيات قال: كان علي بن ابي طالب (عليه السلام)يقول:
ولا تـــــفش ســــرك الا اليـــك فأن لـــــكل نصـــيح نصيـــحا
فأنـــــي رأيت غــواة الرجـــــال لا يدعون اديمــــــــا صحيحا
5- في كتاب مروج الذهب للمسعودي قال :كان علي(عليه السلام)كثيرا ما يتمثل:
تلـــكم قريش تمناني لتقتـــلني فلا وربك ما بروا وما ظفروا
فـــأن هلـــكت فرهن ذمتي لهم بذات ودقين لا يـعفوا لها اثر
وكان يكثر من ذكر هذين البيتين:
اشدد حيــــازيمك للـــــــــموت فـــــــــأن المـــــوت لاقيــــك
ولا تجـــــزع مـــــن المـــــوت اذا حـــــــــل بواديـــــــــــــك
هذه الابيات شيء قليل جدا ولكن هذا كل ما تيسر لنا منها وان معنى كلمة حيازيمك هو الصدور فحيزوم هو مفر حيازيم ومعنى الحيزوم هو الصدر واريد الاشارة الى اننا من وضع (عليه السلام) ولكنها قد رودت رضي الله عنه من المصدر .
{الباب الحادي عشر :وصفه عند معاوية}
1- دخل عبد الله بن العباس على معاوية وعنده وجوه قريش فلما سلم وجلس قال له معاوية: اني اريد ان اسألك عن مسائل؟ قال: سل عما بدا لك، فقال معاوية: صف لي الخلفاء الراشدين فوصفهم حتى وصل الى امير المؤمنين فقال ابن عباس:
( رضي الله عن ابي الحسن كان والله علم الهدى ،وكهف التقى، ومحل الحجا وبحر الندى، وطود النهى وكهف العلى للورى، داعيا الى المحجة العظمى، متمسكا بالعروة الوثقى ،خير من امن واتقى ،وافضل من تقمص وارتدى، وابر من انتعل وسعى، وافصح من تنفس وقرأ واكثر من شهد النجوى ،سوى الانبياء والنبي المصطفى، صاحب القبلتين فهل يوازيه احد؟ وهو ابو السبطين فهل يقارنه بشر؟ وزوج خير الناس فهل يفوقه قاطن بلد؟ للأسود قتال وفي الحروب ختال، لم تر عيني مثله ولن ترى، فعلى من انتقصه لعنة الله و العباد الى يوم التناد).
وبعد ان اكمل عبد الله بن العباس وصفه للإمام علي (عليه السلام) قال له معاوية :ايها يا ابن عباس لقد اكثرت في ابن عمك.
2- طلب معاوية من ضرار بن ضمرة وصف الامام علي(عليه السلام)فقال له:
يا ضرار صف لي عليا (عليه السلام)،قال: اعفني يا امير المؤمنين ،قال لتصفنه ، قال:
(اما اذا لا بد من وصفه فكان والله بعيد المدى ،شديد القوى ،يقول فصلا، ويحكم عدلا ،يتفجر العلم من جوانبه ،وتنطق الحكمة من نواحيه ،يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل ووحشته ،وكان والله شديد العبرة ،طويل الفكرة ،يقلب كفه ويخاطب نفسه ،يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن ،كان فينا كأحدنا يجيبنا اذا سألناه وينبئنا اذا استنبأناه ونحن مع تقريبه ايانا وقربه منا لا نكاد نكلمه لهيبته و لا نبتدئه لعظمته ،يعظم اهل الدين، ويحب المساكين ،ولا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، واشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد ارخى الليل سدوله ،وغارت نجومه ،وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول:
يا دنيا غري غيري أ الي تعرضت ام الي تشوقت، هيهات هيهات! قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها فعمرك قصير وخطرك حقير، اه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق).
فبكى معاوية وقال: رحم الله ابو الحسن فقد كان كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال :حزن من ذبح واحدها في حجرها.
وعن كتاب مروج الذهب قال: قال معاوية بعد ذلك :زدني شيئا من كلامه، فقال ضرار:
كان يقول
اعجب ما في الانسان قلبه، وله مواد من الحكمة ،واضداد من خلافها ،فأن سنح له الرجاء اماله الطمع ،وان مال به الطمع اهلكه الحرص ،وان ملكه القنوط قتله الاسف، وان عرض له الغضب اشتد به الغيظ ،وان اسعده الرضا نسي التحفظ وان ناله الخوف فضحه الجزع، وان افاد مالا اطغاه الغنى وان غضته فاقة فضحه الفقر وان اجهده الجوع اقعده الضعف ،وان افرط به الشبع كظته البطنة ،فكل تقصير به مضر ،وكل افراط له مفسد).
فقال له معاوية :زدني كل ما وعيته من كلامه، قال: هيهات ان آتي على جميع ما سمعته منه ،ثم قال: سمعته يوصي كميل بن زياد ذات يوم فقال له
يا كميل ذب عن المؤمن فأن ظهره حمى الله ،ونفسه كريمة على الله ،وظالمه خصم الله ،واحذركم من ليس له ناصر الا الله).
قال: وسمعته يقول ذات يوم
ان هذه الدنيا اذا اقبلت على قوم اعارتهم محاسن غيرهم ،واذا ادبرت عنهم سلبتهم محاسن انفسهم).
قال :وسمعته يقول
بطر الغنى يمنع من عز الصبر).
قال: وسمعته يقول
ينبغي للمؤمن ان يكون نظره عبرة، وسكوته فكرة ،وكلامه حكمة).
{الباب الثاني عشر :رثاء في الامام علي(ع)}
سنذكر رثاء لابي الاسود الدؤلي بحق امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) :
20- وهو ما ذكره السيوطي لابي الاسود الدؤلي يرثي عليا(عليه السلام):
الا يا عــــين ويحـــك اسعديـــنا الا تبـــــكي امـــــير المــــؤمنينا
وتبـــــكي ام كـــــلثوم علــــــيه بعبرتـــــــها وقــد رأت اليــــقينا
الا قل للخـــــوارج حيــث كانوا فلا قــــــرت عيـــــون الحاسدينا
أفي شهر الصيام فجـمعتمونا؟ بخــــير النـــاس طــرا اجمــعينا
قتلتم خـــير من ركــب المطايا وذللــــها، ومـــن ركــب السفـينا
ومن لبس النعال ومــن حذاها ومـــن قـــرأ المثــاني والمـــبينا
وكـــل منــاقب الخــيرات فيــه وحــب رســول رب العالــــــمينا
لقد علمت قريش حيث كــانت بأنك خـــيرهم حســــبا وديــــنا
اذا استقبلت وجه ابــي حسين رأيــت الـــبدر فــوق النــاظرينا
وكنـــا قـــبل مقــــتله بخيـــــر نــرى مــــولى رســول الله فـينا
يقـــيم الحــــق لا يرتاب فيــه ويعــــدل فـي العـدى والاقــربينا
وليـــس بكـاتــم علــما لـــديـه ولـــم يخـــلق مــن المتكــــبرينا
كــــأن النــاس اذ فقدوا عــليا نـــــعام حـــار فـي بلــد سنـــينـا
فلا تشمت معاوية بن صــخر فأن بقــــــــية الخـــــلفاء فـينـــا
2- وهو ما ذكره المسعودي لابي الاسود الدؤلي يرثي الامام علي(عليه السلام) في مقتله وهو جزء من سابقه:
الا ابلع معـــاوية بن حـــرب فـــلا قــــرت عــــيون الشامــتينا
افي شهر الصيام فجمعتمونا بخـــــير النـــاس طــرا اجمــعينا
قتلتم حير من ركب المطــايا وذللــــها ومــن ركـــب السفـــينا
ومن لبس النعال ومن حذاها ومـــن قــرأ المثـــاني والمبـــينا
اذا استقبلت وجه ابي حسين رأيــت النـــور فـــوق الناظـرينا
لقد علمت قريش حيث كانت بأنـــك خيـــرهم حســـبا وديــــنا
وقد قال المسعودي ان العديد من الناس قد رثوا امير المؤمنين (عليه السلام)ولكن هذا ما تيسر لنا.
{الباب الثالث عشر :بعض الخطب والاقوال والحكم له
سنذكر في هذا الباب قليلا من ما ورد في كتاب نهج البلاغة من الخطب والحكم والاقوال للإمام علي(عليه السلام) :
1- وهي الخطبة التي ذكر فيها فضائل اهل البيت (عليه السلام)
(وناظر قلب اللبيب به يبصر امده(1)ويعرف غوره ونجده داع دعا، وراع رعى، فاستجيبوا للداعي واتبعوا الراعي.
قد خاضوا بحار الفتن، واخذوا بالبدع دون السنن ،وارز المؤمنون ونطق الضالون المكذبون .نحن الشعار و الاصحاب ،والخزنة والابواب ،ولا تؤتى البيوت الا من ابوابها فمن اتاها من غير ابوابها سمي سارقا.
فيهم كرائم القرآن وهم كنوز الرحمن ،ان نطقوا صدقوا، وان صمتوا لم يسبقوا ،فليصدق رائد اهله، وليحضر عقله ،وليكن من ابناء الاخرة ،فأنه منها قدم واليها نقلب، فالناظر بالقلب العامل بالبصر يكون مبتدأ عمله ان يعلم أعمله عليه ام له ،فأن كان له مضى فيه، وان كان عليه وقف عنه، فأن العامل بغير علم كالسائر على غير طريق ،فلا يزيده بعده عن الطريق الا بعدا من حاجته ،والعامل بالعلم كالسائر على الطريق الواضح، فلينظر ناظر أسائر هو ام راجع.
واعلم ان لكل ظاهر باطنا على مثاله ،فما طاب ظاهره طاب باطنه ،وما خبث ظاهره خبث باطنه ،وقد قال الرسول الصادق(صلى الله عليه واله)
(ان الله يحب العبد ويبغض عمله ،ويحب العمل ويبغض بدنه)) واعلم ان لكل عمل نباتا ،وكل نبات لا غنى به عن الماء والمياه مختلفة ،فما طاب سقيه طاب غرسه ،وحلت ثمرته ،وما خبث سقيه خبث غرسه وأمرت ثمرته).
2- وهو الكتاب الذي ارسله الى ابن عباس وهو عامله على البصرة فقال له:
(علم ان البصرة مهبط ابليس ومغرس الفتن ،فحادث اهلها بالإحسان اليهم ،واحلل عقدة الخوف عن قلوبهم. وقد بلغني تنمرك لبني تميم، وغلظتك عليهم وان بني تميم لم يغب لهم نجم الا طلع لهم اخر وانهم لم يسبقوا بوغم في جاهلية، ولا اسلام، وان لهم بنا رحما ماسةً وقرابة خاصة، نحن مأجورون على صلتها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ناظر القلب ،استعارة من ناظر العين: وهو النقطة السوداء منها، والمراد بصير القلب بها يدرك اللبيب امده اي غايته ومنتهاه والغور :ما انخفض من الارض والنجد :ما ارتفع منها، اي يدرك باطن امره وظاهره.
،ومأزورون على قطيعتها، فأربع ابا العباس رحمك الله فيما جرى على لسانك ويدك ،من خير وشر، فأنا شريكان في ذلك، وكن عند صالح ظني بك ،ولا يفيلن رأيي فيك .والسلام).
3- وهي خطبة له(عليه السلام) في بعض ايام صفين:
(وقد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم ،تحوزكم الجفاة الطغام ،واعراب اهل الشام، وانتم لهاميم العرب(1)ويآفيخ الشرف(2)والانف المقدم، والسنام الاعظم ،ولقد شفى وحاوح صدري(3)،ان رأيتكم بأخرة تحوزونهم كما حازوكم وتزيلونهم من مواقفهم كما ازالوكم ،حسا بالنضال وشجرا بالرماح ،تركب اولاهم اخراهم ،كالابل الهيم المطرودة ،ترمى عن حياضها وتذاذ عن مواردها).
4- ومن كلام له (عليه السلام)في ذم اهل البصرة:
(كنتم جند المرأة ،واتباع البهيمة ،رغا فأجبتم، وعقر فهربتم، اخلاقكم دقاق(4)،وعهدكم شقاق ،ودينكم نفاق وماؤكم زعاق(5)،والمقيم بين اظهركم مرتهن بذنبه، والشاخص عنكم متدارك برحمة من ربه ،كأني بمسجدكم كجؤجؤ سفينة قد بعث الله عليها العذاب من فوقها ومن تحتها وغرق من في ضمنها.(وفي رواية):وايم الله لتغرقن بلدتكم حتى كأني انظر الى مسجدها كأنه جؤجؤ سفينة، او نعامة جاثمة.(وفي رواية):كجؤجؤ طير في لجة بحر،(وفي رواية):بلادكم انتن بلاد الله تربة ،اقربها من الماء وابعدها من السماء ،وبها تسعة اعشار الشر، المحتبس فيها بذنبه والخارج بعفو الله ،كأني انظر الى قريتكم هذه قد طبقها الماء حتى ما يرى منها الا شرف المسجد كأنه جؤجؤ طير في لجة بحر).
5- ومن خطبة له (عليه السلام) عند خروجه لقتال اهل البصرة:
قال عبد الله بن العباس
دخلت على امير المؤمنين (عليه السلام)بذي قار، وهو يخصف نعله ،فقال لي :ما قيمة هذا النعل؟ فقلت :لا قيمة لها ،فقال(عليه السلام):والله لهي احب الي من امرتكم ،الا ان اقيم حقا او ادفع باطلا. ثم خرج (عليه السلام) فخطب الناس فقال:
(ان الله بعث محمدا(صلى الله عليه واله)وليس احد من العرب يقرأ كتابا ولا يدعي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- لهاميم: جمع لهميم بالكسر وهو السابق الحواد من الخيل والناس.
2- يآفيخ جمع يأفوخ: هو من الرأس حيث يلتقي عظم مقدمه مع مؤخره.
3- الوحاوح جمع وحوحة :صوت معه بح يصدر من المتألم، والمراد حرقة الغيظ.
4- دقة الاخلاق دناءتها.
5- مالح.
نبوة ،فساق الناس حتى بوأهم محلتهم ،وبلغهم منجاتهم فاستقامت قناتهم ،واطمأنت صفاتهم، اما والله ان كنت لفي ساقتها حتى تولت بحذافيرها، ما ضعفت ولا جبنت، وان مسيري هذا لمثلها، فلأنقبن الباطل حتى يخرج الحـــــق من جبنه ،مالي و قريش! والله لقد قاتلتهم كافرين ،ولأقاتلنهم مفتونين ،واني لصاحبكم بالأمس كما انا صاحبهم اليوم (والله ما تنقم منا قريش الا ان الله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيزنا فكانوا كما قال الاول(1)):
ادمت لعمري شربك المحض صاحبا واكــلك بالزبــد المقشــرة البــحــرا
ونــحن وهبـــناك العــــلاء ولـم تـكن عليا وحطنا حولك الجـرد والسمرا
6- خطبة له(عليه السلام)في تخويف اهل النهروان:
(فأنا النذير لكم لتصبحوا صرعى بإثناء هذا النهر، وبأهضام هذا الغائظ ،على غير بينة من ربكم ،ولا سلكان مبين معكم ،قد طوحت بكم الدار، ولاحت بكم المقدار، وقد كنت نهيتكم عن هذه الحكومة، فأبيتم علي اباء المخالفين المنابذين ،حتى صرفت رأيي الى هواكم، وانت معاشر إخفاء الهام ،سفهاء الاحلام ولم آت لا اب لكم بجرا ولا اردت لكم ضرا).
7- ومن كلام له في صفات الربوبية والعل الالهي:
(الحمد لله الذي بطن خلفيات الامور ،ودلت علي اعلام الظهور، وامتنع على عين البصير، فلا عين من لم يره تنكره، ولا قلب من اثبته يبصره، سبق في العلو فلا شيء اعلى منه ،وقرب في الدنو فلا شيء اقرب منه ،فلا استعلاؤه باعده عن شيء ممن خَلقه ،ولا قربهم ساواهم في المكان به ،لم يطلع العقول على تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته، فهو الذي تشهد له اعلام الوجود ،على اقرار قلب ذي الجحود ،تعالى الله عما يقول المشتبهون به والجاحدون له علوا كبيرا).
8- ومن خطبة له في ذم اهل العراق وفيها يوبخهم على ترك القتال والنصر يكاد يتم، ثم تكذيبهم له:
(اما بعد يا اهل العراق !فإنما انتم كالمرأة الحامل ،حملت فما اتمت املصت، ومات قيمها ،وطال تأثيمها ،وورثها ابعدها، اما والله ما اتيتكم اختيارا، ولكن جئت اليكم سوقا، ولقد بلغني انكم تقولون: علي يكذب!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ما بين القوسين زيادة وجدت في بعض النسخ.
قاتلكم الله !فعلى من اكذب؟ أعلى الله؟ فأنا اول من امن به، فأنا اول من صدقه كلا والله ولكنها لهجة غبتم عنها، ولم تكونوا من اهلها ،ويلمه كيلاً بغير ثمن ،لو كان له وعاء، ولتعلمن بيأه بعد حين).
9- ومن خطبة له في التوحيد وتجمع هذه الخطبة من اصول العلم ما لا تجمعه خطبة:
(ما وحده من كيفه، ولا حقيقته اصاب من مثله، ولا ايه عنى من شبهه ،ولا صمده من اشار اليه و توهمه، كل معروف بنفسه مصنوع ،وكل قائم في سواه معلول ،فاعل لا باضطراب آلة، مقدر لا بجول فكرة ،غني لا باستفادة ،لا تصحبه الاوقات ،ولا ترفده الادوات ،سبق الاوقات كونه، والعدم وجوده ،والابتداء ازله ،بتشعير المشاعر عرف ان لا مشعر له ،وبمضادته بين الامور عرف ان لا ضد له ،و بمقارنته بين الاشياء عرف ان لا قرين له ضاد النور بالظلمة ،والوضوح بالبهمة والجمود بالبلل، والحرور بالصرد مؤلف بين متعادياتها ،مقارن بين متبايناتها مقرب بين متباعداتها ،مفرق بين متدانياتها لا يشمل بحد، ولا يحسب بعد، وانما تحد الادوات انفسها وتشير الالة الى نظائرها، منعتها منذ القدمية، وحمتها قد الازلية ،وجنبتها لولا التكملة، بها تجلى صانعها للعقول ،وبها امتنع عن نظر العيون، لا يجري عليه السكون والحركة ،وكيف يجري عليه ما هو اجراه، ويعود فيه ما هو ابداه ويحدث فيه ما هو احدثه اذا لتفاوتت ذاته ولتجزأ كنهه ،ولا ممتنع من الازل معناه ،ولكان له وراء اذ وجد له امام، ولألتمس التمام اذ بزمه النقصان، واذا لقامت آية المصنوع فيه ،ولتحول دليلا بعد ان كان مدلولا عليه ،وخرج بسلطان الامتناع من ان يؤثر فيه ما يؤثر في غيره ،الذي لا يحول ولا يزول ،ولا يجوز عليه الافول، لم يلد فيكون مولودا ،ولم يولد فيصير محدودا جل عن اتخاذ الابناء ،وطهر عن ملامسة النساء ،لا تناله الاوهام فتقدره ،ولا تتوهمه الفطن فتصوره ،ولا تدركه الحواس فتحسه ،ولا تلمسه الايدي فتمسه ،لا يتغير بحال ،ولا يتبدل بالأحوال ،ولا تبليه الليالي والايام، ولا يغيره الضياء والظلام، ولا يوصف بشيء من الاجزاء ،ولا بالجوارح والاعضاء، ولا بعرض من الاعراض، ولا بالغيرية والابعاض ،ولا يقال له حد ولا نهاية ،ولا انقطاع ولا غاية، ولا ا عنها بخارج ،ولا ان الاشياء تحويه، فتقله او تهويه، او ان شيئا يحمله فيميله او يعدله، ليسج، ارسى اوتادها، وارسى اسدادها في الاشياء بوالج ،ولا عنها بخارج، يخبر لا بلسان ولهوات، ويسمع لا بخروق وادوات، يقول ولا يلفظ ،ويحفظ ولا يتحفظ، ويريد ولا يضمر، يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة ،يقول لمن اراد كونه كن فيكون ،لا بصوت يقرع ولا بنداء يسمع ،وانما كلامه سبحانه فعل منه انشأه، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائنا ،ولو كان قديما لكان الها ثانيا.
لا يقال كان بعد ان لم يكن فتجري عليه الصفات المحدثات ،ولا يكون بينها وبينه فصل ،ولا له عليه فضل، فيستوي الصانع والمصنوع ،ويتكافأ المبتدئ والبديع، خلق الخالق على غير مثال خلا من غيره ،ولم يستعن على خلقها بأحد من خلقه، وانشأ الارض فأمسكها من غير اشتغال ،وارساها على غير قرار، واقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم، وحصنها من الاود والاعوجاج، ومنعها من التهافت والنفر ارسى اوتادها، وضرب اسدادها وأستفاض عيونها، وخد اوديتها ،فلم يهن ما بناه ،ولا ضعف ما قواه، هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته ،وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته ،والعالي على كل شيء منها بجلاله وعزته ،لا يعجز شيء منها طلبه ،ولا يمتنع عليه فيغلبه ،ولا يفوته السريع منها فيسبقه، ولا يحتاج الى ذي مال فيرزقه ،خضعت الاشياء له ،وذلت مستكينة لعظمته ،لا تستطيع الهرب من سلطانه الى غيره، فتمتنع من نفعه وضره ،ولا كُفؤ له فيكافئه، ولا نظير له فيساويه ،هو المفني لها بعد وجودها حتى يصير موجودها كمفقودها.
وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من انشائها وابتداعها، وكيف لو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها ،وما كان من مراحها وسائمها واصناف اسناخها واجناسها، متبدلة اممها واكياسها على احداث بعوضة ما قدرت على احداثها، ولا عرفت كيف السبيل الى ايجادها، و لتحيرت عقولها في علم ذلك وتاهت، وعجزت قواها وتناهت ،ورجعت خاسئة حسيرة ،عارفة بأنها مقهورة ،مقرة بالعجز عن انشائها، مذعنة بالضعف عن افنائها.
وان الله سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه ،كما كان قبل ابتدائها، كذلك يكون بعد فنائها، بلا وقت ولا مكان ،ولا حين ولا زمان، عدمت عند ذلك الآجال والاوقات ،وزالت السنون والساعات ،فلا شيء الا الواحد القهار الذي اليه مصير جميع الامور ،بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها ،وبغير امتناع منها كان فناؤها ولو قدرت على الامتناع دام بقاؤها.
لم يتكاءده صنع شيء منها اذ صنعه ولم يؤد منها خلق ما خلقه وبرأه، ولم يكونها لتشديد سلطان، ولا لخوف من زوال ونقصان ،ولا للاستعانة بها على ند مكاثر ولا للاحتزاز بها من ضد مأثور ،ولا للازدياد بها في ملكه ،ولا لمكاثرة شريك في شركه، ولا لوحشة كانت منه فأراد ان يستأنس اليها، ثم هو يفنيها بعد تكوينها لا لسأم دخل عليه في تصريفها وتدبيرها ،ولا لراحة واصلة اليه، ولا لثقل شيء منها عليه ،لم يمله طول بقائها، فيدعوه الى سرعة افنائها ،لكنه سبحانها دبرها بلطفه ،وامسكها بأمره ،واتقنها بقدرته، قم يعيدها بعد الفناء، من غير حاجة منه اليها ،ولا استعانة بشيء منها عليها، ولا لانصراف من حال وحشة الى حال استئناس ،ولا من حال جهل وعمى الى حال علم والتماس ،ولا من فقر وحاجة، الى غنى وكثر ة ،ولا من ذل وضعة ،الى عز وقدرة).
10- ومن كلام له (عليه السلام)في ذم قوم هموا باللحاق بالخوارج:
وقد ارسل رجلا من اصحابه يعلم له علم احوال قوم من جند الكوفة قد هموا باللحاق بالخوارج ،وكانوا على خوف منه(عليه السلام)فلما عاد اليه الرجل قال له
أأمنوا فقطنوا ام جبنوا فظنعوا؟) فقال الرجل :بل ظعنوا يا امير المؤمنين فقال(عليه السلام):
(بعدا لهم كما بعدت ثمود، اما لو اشرعت الاسنة اليهم ،وصبت السيوف على هاماتهم ،لقد ندموا على ما كان منهم، ان الشيطان اليوم قد استفلهم ،وهو غدا متبرأ منهم ومتخل عنهم ،فحسبهم بخروجهم من الهدى
،وارتكاسهم في الضلال والعمى، وصدهم عن الحق ،وجماحهم في التيه).
11- ومن كتاب له (عليه السلام) الى شريح بن الحارث قاضيه:
روي ان شريح بن الحارث قاضي امير المؤمنين(عليه السلام)اشترى على عهده دارا بثمانين دينارا ،فبلغه ذلك، فاستدعاه وقال له: بلغني انك ابتعت دارا بثمانين دينارا، وكتبت لها كتابا، واشهدت فيه شهودا، فقال له شريح :قد كان ذلك يا امير المؤمنين ،قال: فنظر اليه نظر مغضب ثم قال له:
(يا شريح اما انه سيأتيك من لا ينظر في كتابك، ولا يسألك عن بينتك حتى يخرجك منها شاخصا، ويسلمك الى قبرك خالصا ،فأنظر يا شريح لا تكون ابتعت هذه الدار م غير مالك ،او نقدت الثمن من غير حلالك، فإذا انت قد خسرت دار الدنيا ودار الاخرة ،اما انك لو اتيتني عند شرائك ما اشتريت ،لكتبت لك كتابا على هذه النسخة ،فلم ترغب في شراء هذه الدار بدرهم فما فوق والنسخة هذه:
(هذا ما اشترى عبد ذليل من عبد قد ازعج للرحيل، اشترى منه دارا من دار الغرور من جانب الفانين، وخطة الهالكين، ويجمع هذه الدار حدود اربعة :الحد الاول ينتهي الى دواعي الآفات، والحد الثاني ينتهي الى دواعي المصيبات، والحد الثالث ينتهي الى الهوى المردي، والحد الرابع ينتهي الى الشيطان المغوي ،وفيه يشرع باب هذا الدار.
اشترى هذا المغتر بالأمل ،من هذا المزعج بالأجل ،هذه الدار بالخروج من عز القناعة، والدخول في ذل الطلب والضراعة ،فما ادرك هذا المشتري فيما اشترى منه من درك ،فعلى مبلبل اجسام الملوك ،وسالب نفوس الجبابرة ،ومزيل ملك الفراعنة ،مثل كسرى وقيصر ،وتبع وحمير ،ومن جمع المال على المال فأكثر ،وبنى وشيد وزخرف ،ونجد وادخر، واعتقد ونظر بزعمه للولد اشخاصهم جميعا ،الى موقف العرض والحساب، وموضع الثواب والعقاب، اذا وقع الامر بفضل القضاء{وخسر هنالك المبطلون}.
شهد على ذلك العقل اذا خرج من اسر الهوى ،وسلم من علائق الدنيا).
12- ومن كتاب له(عليه السلام)كتبه الى اهل الامصار يقص فيها ما جرى بينه وبين اهل صفين:
(وكان بدء الامر انا التقينا والقوم من اهل الشام ،والظاهر ان ربنا واحد، ونبينا واحد، ودعوتنا في الاسلام واحدة ،لا نستزيدهم في الايمان بالله، والتصديق برسوله(صلى الله عليه واله)،ولا يستزيدوننا ،الامر واحد الا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء، فقلنا تعالوا نداو ما لا يدرك اليوم بإطفاء النائرة، وتسكين العامة ،حتى يشتد الامر ويستجمع، فنقوى على وضع الحق مواضعه ،فقالوا بل نداويه بالمكابرة، فأبوا حتى جنحت الحرب، وركدت ووقدت نيرانها، وحمست، فلما ضرستنا واياهم ،ووضعت مخالبها فينا وفيهم ،احابوا عند ذلك الى الذي دعونا اليه ،فأجبناهم الى ما دعوا، وسارعناهم الى ما طلبوا حتى استبانت عليهم الحجة، وانقطعت منهم المعذرة ،فمن تم على ذلك منهم فهو الذي انقذه الله من الهلكة ،ومن لج وتمادى فهو الراكس ،الذي ران الله على قلبه ،وصارت دائرة السوء على رأسه).
13- ومن كتاب له(عليه السلام)الى عمرو بن العاص:
وان ما جاء في كتاب نهج البلاغة قبل ذكر هذه الخطبة هذا الكلام: من مآسي الزمن ومهازله في الوقت نفسه ان(عمرو بن العاص)هو الذي ارسلته قريش الى نجاشي الحبشة ليطالب بتسليم(جعفر بن ابي طالب)ومن معه من المهاجرين ،وردهم الى مكة لتتحكم بهم قريش ،وان عمرو بن العاص نفسه هو الذي قام يقاتل علي بن ابي طالب في صفين، فبنفس الروح التي قاتل بها ابن ابي طالب الاول، قاتل بها ابن ابي طالب الثاني، وهكذا كانت محنة الاسلام في ان الذين قاتلوه لدى ظهوره، عادوا يقاتلونه بعد انتصاره ،متلبسين بلباس الاسلام نفسه.
وقد كان لعمرو بن العاص ما اراد من ان تكون له (مصر)طعمة حاصلة، و لنر صورة من صور حكم ابن العاص لمصر:
قال المقريزي في الجزء الاول، الصفحة(301)،خلف عمروا بن العاص سبعين بهارا دنانير، والبهار :حلد ثور، ومبلغه اردبان بالمصري.
وهذا ما انتهى اليه امر الاسلام: سبعون بهارا دنانير، منهوبة من اقوات الشعب وارزاقه، يخلفها وال واحد.
(فأنك جعلت دينك تبعا لدنيا امرئ ظاهر غيه، مهتوك ستره ،يشين الكريم بمجلسه ،ويسفه الحليم بخلطته، فأتبعت اثره، وطلبت فضله اتباع الكلب للضرغام ،يلوذ الى مخالبه، وينتظر الى ما يلقى اليه من فضل فريسته ،فأذهبت دنياك واخرتك ،ولو بالحق اخذت، ادركت ما طلبت، فأن يمكنني الله منك ومن ابن ابي سفيان اجزكما بما قدمتما، وان تعجزا وتبقيا فما امامكما شر لكما).
14- ومن خطبة له(عليه السلام)في ذكر محمد وال محمد(صلوات الله عليهم اجمعين):
(الحمد لله الناشر في الخلق فضله ،والباسط فيهم بالجود يده، نحمده في جميع اموره، و نستعينه على رعاية حقوقه، ونشهد ان لا اله غيره ،وان محمدا عبده ورسوله، ارسله بأمره صادعا ،وبذكره ناطقا، فأدى امينا ،ومضى رشيدا ،وخلف فينا راية الحق ،من تقدمها مرق، ومن تخلف عنها زهق، ومن لزمها لحق، دليلها مكيث الكلام ،بطيء القيام، سريع اذا اقام ،فإذا انتم النتم له رقابكم، واشرتم اليه بأصابعكم ،جاءه الموت فذهب به ،فلبثتم بعده ما شاء الله ،حتى يطلع الله لكم من يجمعكم ويضم نشركم ،فلا تطمعوا في غير مقبل ،ولا تيأسوا من مدبر ،فأن المدبر عسى ان تزل به احدى قائمتيه، وتثبت الاخرى فترجعا حتى تثبتا جميعا ،الا ان مثل ال محمد(صلى الله عليه واله)كمثل نجوم السماء ،اذا خوى نجم طلع نجم ،فكأنكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع ،واراكم ما كنتم تأملون).
15- ومن خطبة له(عليه السلام)في بعثة النبي وفي الوصية بالتقوى والتحذير من الدنيا:
(بعثه حيث لا علم قائم ،ولا منار ساطع، ولا منهج واضح، اوصيكم عباد الله بتقوى الله، واحذركم الدنيا فأنها دار شخوص، ومحلة تنغيص، ساكنها ظاعن، وقاطنها بائن ،تميد بأهلها ميدان السفينة ،تقصفها العواصف في لجج البحار ،فمنهم الغرق الوبق، ومنهم الناجي على بطون الامواج، تحفزه الرياح بأذيالها، وتحمله على اهوالها ،فما غرق منها فليس بمستدرك، وما نجا منها فإلى مهلك.
عباد الله! الان فأعلموا والالسن مطلقة ،والابدان صحيحة، والاعضاء لدنة ،والمنقلب فسيح، والمجال عريض ،قبل ارهاق الفوت، وحلول الموت ،فحققوا عليكم نزوله ،ولا تنتظروا قدومه).
16- ومن كلام له(عليه السلام) يشير فيه الى ظلم بني امية وذكر احوال الناس في دولتهم:
(والله لا يزالون حتى يدعوا لله محرما الا استحلوه ،ولا عقدا الا حلوه، وحتى لا يبقى بيت مدر، ولا وبر ،الا دخله ظلمهم، ونبا به سوء رعيهم ،وحتى يقوم الباكيان يبكيان ،باك يبكي لدينه ،وباك يبكي لدنياه ،وحتى تكون نصرة احدكم من احدهم كنصرة العبد من سيده،:اذا شهد اطاعه، و اذا غاب اغتابه، وحتى يكون اعظمكم فيها غناء احسنكم بالله ظنا ،فأن اتاكم الله بعافية فأقبلوه، وان ابتليتم فأصبروا ،فأن العاقبة للمتقين).
17- ومن خطبة له(عليه السلام)في ذكر الاسباب التي تهلك الناس:
(اما بعد، فأن الله لم يقصم جباري دهر قط ،الا بعد تمهيل ورخاء ،ولم يجبر عظم احد من الامم ،الا بعد ازل وبلاء، وفي دون ما استقبلتم من عتب ،وما استدبرتم من خطب معتبر وما كل ذي قلب بلبيب، ولا كل ذي سمع سميع، ولا كل ناظر بصير ،فيا عجبا! ومالي لا اعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها ،لا يقتصون اثر نبي، ولا يقتدون بعمل وصي، ولا يؤمنون بغيب، ولا يعفون عن عيب، يعملون في الشبهات ويسيرون في الشهوات، المعروف فيهم عندهم ما عرفوا، والمنكر عندهم ما انكروا، مفزعهم في المعضلات الى انفسهم ،وتعويلهم في المبهمات على آرائهم ،كأن كل امرئ منهم امام نفسه ،قد اخذ منها فيما يرى بعرى ثقات ،واسباب محكمات).
18- ومن خطبة له في لزوم الاستعداد للموت:
(فاتقوا الله عباد الله، وبادروا آجالكم بأعمالكم ،وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم، وترحلوا فقد جد بكم ،واستعدوا للموت فقد اظلكم ،وكونوا قوما صيح بهم فانتبهوا وعلموا ان الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا ،فأن الله سبحانه لم يخلقكم عبثا، لم يترككم سدا ،وما بين احدكم وبين الجنة او النار الا الموت ان ينزل به.
وان غاية تنقصها اللحظة و تهدمها الساعة ،لجديرة بقصر لمدة ،وان غائبا يحدوه الجديدان:- الليل والنهار- لحري بسرعة الاوبة ،وان قادما يقدم بالفوز او الشقوة لمستحق لأفضل عدة.
فتزودوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به انفسكم غدا ،فأتقى عبد ربه ،نصح نفسه، وقدم توبته ،وغلب شهوته ،فأن اجله مستور عنه، وامله خادع له، والشيطان موكل به يزين له المعصية ليركبها، ويمنيه التوبة ليسوفها ،حتى اذا هجمت منيته ،عليه اغفل ما يكون عنها.
فيالها حسرة على ذي غفلة ان يكون عمره عليه حجة ،وان تؤديه ايامه الى الشقوة، نسأل الله سبحانه ان يجعلنا واياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعة ربه غاية، ولا تحل به بعد الموت ندامة ولا كآبة).
19- ومن خطبة له(عليه السلام)في ذم المتقاعدين عن القتال:
(منيت بمن لا يطيع اذا امرت، ولا يجيب اذا دعوت، لا ابا لكم ما تنتظرون بنصركم ربكم؟ اما دين يجمعكم ،ولا حمية تحمشكم! اقوم فيكم مستصرخا ،واناديكم متغوثا ،فلا تسمعون لي قولا، ولا تطيعون لي امرا ،حتى تكشف الامور عن عواقب المساءة ،فما يدرك بكم ثأر، ولا يبلغ بكم مرام ،دعوتكم الى نصر اخوانكم ،فجرجرتم جرجرة الجمل الاسر، وتثاقلتم تثاقل النضو الادبر ،ثم خرج الي منكم جنيد، متذائب، ضعيف، كأنما يساقون الى الموت وهم ينظرون).
20- ومن خطبة له(عليه السلام) فيمن اتهموه بقتل عثمان:
(الا وان الشيطان قد ذمر حزبه، واستجلب جلبه ،ليعود الجور الى اوطانه ،ويرجع الباطل الى نصابه ،والله ما انكروا علي منكرا ،ولا جعلوا بيني وبينهم نصفا، وانهم ليطلبون حقا هم تركوه ،ودما هم سفكوه ،فلئن كنت شريكهم فيه فأن لهم لنصيبهم منه ،ولئن كانوا ولوه دوني فما التبعة الا عندهم ،وان اعظم حجتهم لعلى انفسهم ،يرتضعون اماً قد فطمت، ويحيون بدعة قد اميتت ،يا خيبة الداعي، من دعا وإلام اجيب! واني لراض بحجة الله عليهم، وعلمه فيهم ،فأن ابوا اعطيتهم حد السيف ،وكفى به شافياً من الباطل وناصرا للحق ،ومن العجب بعثهم الي ابرز للطعان ،وان اصبر للجلاد، هبلتهم الهبول! لقد كنت ،وما اهدد بالحرب ولا ارهب بالضرب، واني لعلى يقين من ربي ،وغير شبهة من ديني).
هذا شيء قليل جدا من خطب و كلام امير المؤمنين فأن عددها كثير جدا ولن نستطيع ان نذكرها في هذا البحث الصغير ومن الجدير بالذكر ان خطب وكلام الامام علي(عليه السلام)لم تُخصص الى موضوع محدد بل انها متخصصة في عدة مواضيع مهمة ويستطيع المؤمن ان يستفيد منها من خلال التطبع بها والعمل على وفق ما تشير اليه علما ان امير المؤمنين هو القرآن الناطق ولم يُبق امير المؤمنين موضوعا مهما لم يتحدث عنه اضافة الى ما استقبل من كتب سواء كانت من اصحابه وقادة الجيش ام من قِبل اعدائه والرد عليها اضافة الى ما كتبه(عليه السلام)لقادة الجيش وامراء البلدان والى اصحابه وتحدث عن كثير من المواضيع التي ستطيل الحديث علينا وان ما ذكرناه في هذا الباب كان من مصدر واحد وهو كتاب(نهج البلاغة)علما ان هناك كتاب(اصول الكافي)الذي ذكر عدة احاديث واقوال عن الاربع عشر المعصومين والامام علي(عليه السلام)له قسم كبير من تلك الاحاديث والاقوال وفي مواضع ومناسبات مختلفة وفي امور مهمة وحساسة ولم يترك موضوعاً لم يتحدث بشأنه وان للإمام علي (عليه السلام) احاديث واقوال كثيرة جدا وذلك لما تميز به من الفصاحة والبلاغة ولكن لم يستفد من عاش في عصره من هذا العلم كثيراً فنتمنى ان نحصل على شيء قليل من ذلك العلم.
{الباب الرابع عشر :نبذ من اخباره وقضاياه وحُكمه بين الناس}
سنذكر في هذا الباب ما يتيسر لنا من بعض المواقف وبعض ما اخبر به وحدث هذا الشيء وبعض الحكم :
1- نزل الامام علي(عليه السلام)بذي قار لأخذ البيعة، فأخبر اصحابه قائلا
يأتيكم من قبل الكوفة الف رجل ،لا يزيدون ولا ينقصون رجلا، يبايعوني على الموت)،يقول ابن عباس: كنت على وجل ان ينقص القوم عن ذلك او يزيدون ،فما الذي دعا عليا الى هذا القول؟ فأخذت احصي القوم فردا فردا حتى احصيت تسعمائة وتسعة وتسعون ،وقد انقطع مجيء القوم فدخلني الشك، فبينما انا افكر اذ اقبل شخص وهو راجل، وعليه قباء صوف، وبيده سيفه مع ترس ،فقال للإمام علي(عليه السلام):امدد يدك لأبايعك ،فقال له: على ما تبايعني؟ قال: على السمع والطاعة والقتال بين يديك او يفتح الله على يديك ،قال :ما اسمك؟ قال: اويس القرني.
فقال الامام علي(عليه السلام)
الله اكبر اخبرني حبيبي رسول الله(صلى الله عليه واله)،اني ادرك رجلا من امتي، يقال له اويس القرني يكون مع حزب الله ،يموت على الشهادة ،يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر).
2- وعن كتاب(تاريخ الخلفاء)للسيوطي قال اخرج عبد الرزاق عن حجر المدري قال: قال لي علي بن ابي طالب(عليه السلام)كيف بك اذا امرت ان تلعنني؟
قلت: وكائن ذلك؟ قال :نعم ،قلت :فكيف اصنع؟ قال: العني ولا تبر أمني، قال: فأمرني محمد بن يوسف اخو الحجاج - وكان اميرا على اليمن – ان العن عليا ،فقلت :ان الامير امرني ان اخرج و العن عليا فالعنوه ،لعنه الله، فما فطن الا رجل.
3- كان الامام علي(عليه السلام)يخطب على المنبر في المدائن ،وقد مضى عمرو بن حريث، وهو رأس من رؤوس المنافقين ،الى الخورنق للتنزه، ومعه سبعة من المنافقين، فاصطادوا ضبا خلال سياحتهم ،فأخذ عمرو بيد الضب، وقال: بايعوا هذا امير المؤمنين ولا نبايع عليا على جمعة ولا جماعة ،فلما رجعوا وجلسوا عند الامام علي(عليه السلام).
فلما نظر اليهم عرج قائلا
يا ايها الناس ،ان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)اسر الي الف حديث ،واني سمعت الله تعالى يقول:{يوم ندعوا كل امام بإمامهم}،واني اقسم لكم بالله ،ليبعثن يوم القيامة ثمانية نفر وامامهم الضب، ولو شئت ان اسميهم لفعلت ،فقام الثمانية من مجلس الامام(عليه السلام)وقد عرتهم الدهشة وارتعدت فرائصهم).
4- جلس رجلان يتغديان مع احدهما خمسة ارغفة ومع الاخر ثلاثة ارغفة فلما وضعا الغداء بين ايديهما مر بهما رجل فسلم، فقالا اجلس للغداء فجلس واكل معهما واستوفوا في اكلهم الارغفة فقام الرجل وطرح اليهم ثمانية دراهم وقال خذا هذا عوضا مما اكلته ونلته من طعامكما ،فتنازعا وقال صاحب الخمسة ارغفة: لي خمسة دراهم ولك ثلاثة فقال صاحب الثلاثة ارغفة :لا ارضى الا ان تكون الدراهم بيننا نصفين وارتفعا الى امير المؤمنين علي بن ابي طالب فقصا عليه قصتهما فقال لصاحب الثلاثة ارغفة قد عرض عليك صاحبك ما عرض وخبزه اكثر من خبزك فأرض بالثلاثة فقال: لا والله ما رضيت منه الا بمر الحق ،فقال الامام علي(عليه السلام):ليس لك في مر الحق الا درهم واحد وله سبعة فقال الرجل سبحان الله يا امير المؤمنين هو يعرض علي ثلاثة فلم ارض واشرت علي بأخذها فلم ارض وتقول لي الان انه لا يجب لي في مر الحق الا درهم واحد؟ فقال له(عليه السلام):عرض عليك صاحبك ان تأخذ ثلاثة صلحا فقلت لم ارض الا بمر الحق ولا يحق لك بمر الحق الا واحد فقال الرجل: فعرفني بالوجه في مر الحق حتى اقبله فقال علي(عليه السلام):اليس للثمانية ارغفة اربعة وعشرون ثلثا اكلتموها انتم ثلاثة انفس ولا يعلم الاكثر منكم اكلا ولا الاقل فتحملون في اكلكم على السواء؟ قال :بلى، قال (عليه السلام):فأكلت انت ثمانية اثلاث وانما لك ستة اثلاث واكل صاحبك ثمانية اثلاث وله خمسة عشر ثلثا اكل منها ثمانية ويبقى له سبعة واكل لك واحدا من تسعة فلك واحد بواحدك وله سبعة بسبعته فقال له الرجل :رضيت الان.
5- اخبر امير المؤمنين(عليه السلام)بملك الحجاج ،وما يلقى اهل الكوفة منه من الظلم والجور والفظائع ،ولا اعتقد ان هناك خلافا بين الكتاب والمسلمين وفي جور الحجاج وظلمه ،وما ذاقت الكوفة منه من ويلات ومرارات ،فقد قال عنه الامام علي(عليه السلام)
ام والله ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيال الميال – اشارة الى طول قامته وخيلائه وتبختره في مشيه – إيه ابا وذبحة)كان ذلك اشارة الى الخنفساء وما لقيه من حتفه بسببها ،حيث كانت تدب على الارض ،فوصلت الى مصلاه، فأبعدها فعادت، فأمسكها بيده، فلسعته فتورمت يد واخذته الحمى حتى ات بأوهن مخلوقات الله تعالى.
6- اخرج عن المدائني قال :لما دخل علي الكوفة دخل عليه رجل من حكماء العرب، فقال: والله يا امير المؤمنين لقد زنت الخلافة وما زانتك ،ورفعتها وما رفعتك ،وهي كانت احوج اليك منك اليها.
7- كان امير المؤمنين (عليه السلام) قد اخبر بملك معاوية ،ونوه عما تلقى الامة من ظلمه وجوره ،اما من حضر مجلسه، وسمع منه خطابا فقال
سيظهر عليكم من بعدي رجل رحب البلعوم ،مندحق البطن - اشارة الى ضخامة بطنه – يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فأقتلوه - ولن تقتلوه- الا والله سيأمركم بسبي والبراءة مني ،فأما السب فسبوني، واما البراءة فلا تتبرؤوا مني فأني لدت على الفطرة ،وسبقت الى الايمان و الهجرة).
8- وقد اخبر (عليه السلام)ان معاوية لا يموت الا والصليب في عنقه فقال
لا يموت ابن هند حتى يعلق الصليب في عنقه) وقد اشارات روايات المؤرخين الى ان معاوية اشتدت عليه العلة، وكان له طبيبا نصرانيا فشكا اليه علته وشدة الالم وطلب وسيلة للتخلص منها ،فقال :عندنا صليب ما علقه مريض الا خفف عنه ،فجيء لمعاوية بالصليب فعلقه في عنقه ،حتى توفي والصليب في عنقه.
9- لقد كان الامام علي(عليه السلام)على منبر الكوفة وهو يتنبأ بأحداث قبل وقوعها ،فيصوغ حولها بيانات ويعطي عنها لوائح صادقة، فكان يقول
يخرج من ديلمان بنو الصياد، ثم يستشري امرهم ،حتى يملكوا الزوراء، ويخلعوا الخلفاء)فقام: اليه رجل وقال له: سيدي وكم مدتهم؟ فقال(عليه السلام)
مئة او تطول قليلا).
فلم يعرف المؤرخون سر هذا القول ،حتى مرت العصور وتعاقبت الازمنة واذا بالديالمة (عضد الدولة واخوته)يملكون بغداد ويخلعون الخلفاء ،فكانت مدتهم مئة وزادت قليلا.
10- جيء بمروان بن الحكم اسيرا يوم الجمل ،فأستشفع بالحسنين(عليهما السلام)الى الامام علي(عليه السلام)ليخلي سبيله، فقالا: يا امير المؤمنين ادعه للبيعة لك ،فقال
عليه السلام)
او لم يبايعني قبل قتل عثمان؟ لا حاجة لي ببيعته انها كف يهودية ،لو بايعني بكفه لنقض بسبته ،اما ان له خلافة كلعقة الكلب انفه وهو ابو الاكباش الاربعة، وستلقى الامة منه ومن ولده يوما احمراً).
هذ هو ما تيسر لنا من بعض الاحداث والاخبار بما هو قادم فأنه (عليه السلام)قد تميز بمعرفة الاحداث المهمة فهو امير المؤمنين وسيد الوصيين ولا يعتبر هذا الامر شيئاً غريبا بالنسبة لشخص بعظمة الامام علي(عليه السلام).
{الباب الخامس عشر :توصياته لعماله بالالتزام بأوامره لانهم يمثلونه ()}
ان امير المؤمنين(عليه السلام)لم يكتف بأن يكون ذا اخلاق رفيعة وفاضلة والتي تَعَوَدَ عليها بل انه لا يحب ان يكون اصحابه ذوي اخلاق وطباع غير لائقة او غير صحيحة فأنهم في بادئ الامر مسلمون فيجب عليهم ان يمثلوا الاسلام بشكل صحيح وبصورة تليق بالإسلام بحيث لا تسيء تصرفاتهم الى صورة الاسلام عند الاقوام غير المسلمة فكيف سيهتدي هؤلاء ان وجودا سوء الاخلاق للمسلمين اضافة الى الإساءة للمسلمين وفي الامر الثاني هم يمثلون الامام علي(عليه السلام)فأن فعلوا امرا خاطئا فسيعتبر الناس هذا خطأ الامام علي(عليه السلام)وان حسن الاخلاق ليست الشيء الوحيد والاهم الذي اوصى به الامام اصحابه بل ان هناك صفات حسنة اوصى الامام علي(عليه السلام)بها كالحكم بالعدل وتحقيق المساواة بين الناس فأن العدل والمساواة صفات جيدة ويجب على كل مسلم ان يتحلى بهما ان كان مسؤولا عن عدد من الاشخاص مهما كان عددهم فأن تحمل المسؤولية ليس بالأمر السهل والبسيط فأن من يتحمل المسؤولية يجب ان يكون مسؤولا عن كل فعل من افعاله سواء كان هذا الفعل شيئا صغيرا ام كبيراً ويجب ان يعرف كيفية الحكم بين الناس كما ان هناك صفات سيئة يجب على المسلم ان يتخلى عنها ولا يفعلها ان امير المؤمنين(عليه السلام) حريص على ان يحكم بالعدل وعلى وفق القرآن الكريم والنبي الامين وان امير المؤمنين لم يدع امرا صغيرا ولا كبيرا لم يعلم اصحابه فيه على التصرف وكان يلوم من يعمل بغير الصواب كما فعل مع قاضيه وقد تم ذكر الكلام الذي ورد عنه (عليه السلام)الى قاضيه شريح عندما اشترى بيتا بثمانين درهما فبلغ هذا الامر لأمير المؤمنين فتكلم الى شريح عن هذا الموضوع فأن امير المؤمنين لا يرضى ان يسير احد اصحابه على منهج خاطئ اضافة الى ارساله الكتب الى امراء جيشه والقادة حيث يرشدهم الى ما عليهم فعله وان لا يفعلوا شيئا اخر وان تكون معاملتهم جيدة ،ان هذا الامام لا يحتمل ان يكون احد اصحابه او قواد جيشه من الذين اخطأوا في التعرف على الطريق الصحيح او انهم اخطأوا في بعض المسائل وانه لا يتردد في تعليمهم النهج الصحيح والحكم الصحيح وكانوا ذوي اخلاق رفيعة يحكمون بين الناس كما لو الامام علي(عليه السلام)هو الذي يحكم بينهم فأنهم قد تعلموا من الامام (عليه السلام)وان كانوا قد جهلوا امرا ارسلوا الى امير المؤمنين(عليه السلام)مشكلتهم ليرشدهم الامام الى الحل وليكونوا عادلين وكي لا يحكموا في بعض الامور من تلقاء انفسهم وهم لا يفقهون شيئا في هذا الامر فأن امير المؤمنين(عليه السلام)قد قال في احدى اقواله انه لا يستحي عندما لا يعلم ان يقول الله اعلم لذا فأن ليس من حق اي شخص كان ان يتكلم ويعلم شخصا شيئا لا يفقه فيه فيحاسب على ذلك ويودي بالسائل الى هلاكه لذا فقد كان امير المؤمنين(عليه السلام)يحذر اصحابه من ان يعمل اي منهم بحسب ما تشتهي نفسه ومن دون ان يكون عالما بهذا الامر وهذا هو منهج الائمة المعصومين وان داحر الظلم والجور في العالم يسير على وفق هذا المنهج حيث يقول لأصحابه انتم ممثلين عني فأحكموا بالعدل وبما امرتكم به فليس من حق اي احد من اصحاب امير المؤمنين ان يتصرف بما يشاء وكانت اخلاقهم رفيعة حيث انهم تخلقوا بخُلق امير المؤمنين لأنهم من اصحابه فكانوا يقابلون الإساءة بالإحسان فأن هناك رواية تقول ان مالك بن الاشتر النخعي وهو احد اصحاب الامام علي(عليه السلام)كان يسير في احدى الشوارع فقام بقال برمي الطماطم عليه فأستمر مالك بسيره وذهب الى المسجد ،فذهب شخص الى البقال فقال: هل تعرف ما فعلت؟ فقال: نعم ،فقال له الرجل: هل تعرف على من رميت حبة الطماطم؟ فقال البقال :لا اعرفه فمن هو؟ فقال الرجل: هو مالك بن الاشتر وهو قائد جيش امير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام)،فأسرع البقال الى المسجد فوجد مالك الاشتر يصلي فلما فرغ من صلاته ذهب البقال اليه واعتذر منه وقال له انه لم يعرفه فأجابه مالك :اني والله اتيت للمسجد لأصلي ركعتين استغفارا لك عسى ان يغفر الله لك ،ان هذه الاخلاق ليست غريبة من قِبل اصحاب الامام علي(عليه السلام)فأنهم كانوا يتحلون بأخلاق عالية ولو كان اي منا مكان مالك لفعلنا ما فعلنا في هذا الرجل ولقمنا بعمل مشكلة طويلة وعريضة لا نهاية لها ولكن ما فعله مالك الاشتر يجب ان يكون درساً لنا فأن من يعتبر نفسه من شيعة امير المؤمنين ولم يفعل الشيء الذي يرضي امير المؤمنين فأنه سيُنتج صورة سيئة عن الشيعة وعن الامام علي(عليه السلام) فجعلنا الله ممن يسيرون على نهج الامام علي(عليه السلام)ويكونون مثالا جيداً لشيعة امير المؤمنين(عليه السلام).
{الباب الثالث عشر:الحــروب والغزوات والمعارك التي خاضها()}
لقد خاض الامام علي بن ابي طالب(عليه السلام)الكثير من الحروب و الغزوات مع رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)اضافة الى الحروب التي خاضها بعد وفاة رسول الله (صلى ال