تقول سيدتي الحوراء زينب مخاطبة يزيد(عليه اللعنه ) في مجلسة في الشام :" فوالله لا تمحوا ذكرنا ولا تميت وحينا ....
قال أبو جعفر الباقر (عليه السلام): فلم تَسقُط منه قطرة ، وفيه يقول حجّة آل محمّد عجّل الله فَرجَه : السلام على عبدالله الرضيع، المرميِّ الصَّريع، المُتَشحّطِ دماً ، والمُصْعَدِ بدمهِ إلى السماء، المذبوحِ بالسهمِ في حِجْرِ أبيه، لعَنَ اللهُ راميه « حرملةَ بنَ كاهلٍ الأسديّ » وذويه .
الإمام الحسين (عليه السلام) يوم المفاداة العظمى ذبح طفله بين يديه كما أخرج نبي الله صالح عليه السلام فصيل الناقة الى بني إسرائيل بعد قتلهم الناقة وناداهم إن كنتم قتلتم الناقة فها هو فصيلها خذوه لتسقوه يرفع عنكم العذاب ولكنهم ألحقوا الفصيل بالناقة قتلا ، فصب عليهم ربهم العذاب صبا .
ومن هنا جاء قول الحسين (عليه السلام) : ( اللهم لا يكون أهون عليك من فصيل ناقة صالح ).
ساعد الله قلب العقيلة الحوراء زينب (عليها السلام) ... وقد رسمت على خديك دموع ثلاث ... واحدة سقطت على قطيع الكفين أبي الفضل العباس (عليه السلام) وثانية على نحر الطفل الرضيع (عليه السلام) وثالثة على نحر الإمام الحسين (عليه السلام).
لـهفي عـليهِ حـاملاً iiطِـفلَهُ يَـستَسقي مـاءً مِـن عِداهُ iiلَهُ
فـبَعضُهم قـد قـالَ: رِفـقاً به وبَـعضُهم قـالَ: iiاقـطَعوانَسْلَهُ
لـمّا رأى حَـرملةٌ مـا iiجرى أرســلَ قـبلَ قـولِهم iiفِـعلَهُ
أهَـلْ درى حَـرملةٌ مـا iiجنى أم هل درى ما قد جنى، وَيْلَهُ ؟!
سـهمٌ أصـابَ نـحرَه.. لَـيتَهُ أصـابَ نـحري لَـيتَهُ iiقـبَلهُ
أمُّ الـذَّبـيحِ مُـذْ رأتْ iiطِـفلَها يَـضرِبُ مِـن حَرِّ الظَّما iiرِجْلَه
سـبعةَ أشـواطٍ لـه iiكـابدَتْ وهْـيَ تـرى مـمّا بـه iiمِثْلَهُ
وأمُّ مـوسى مذرأت iiطـفلَها فـي الـيَمِّ قـد ظَـنَّتْ به iiقَتْلَهُ
هـذا سَـقاهُ اللهُ مِـن iiزمـزمٍ وفَـرعُ هـذا قـد رأى iiأصلَهُ
أيـنَ ربـابٌ مـنهما مُذْ iiرأتْ رَضـيعَها... فـيضُ الدِّما iiبَلَّهُ!
تـقولُ: عـبدُالله يَقضي iiظَمىً والـماءُ يـجري طامياً iiحَولَهُ!
كـنتُ أُرجّـي لـي عزاءً iiبهِ مـا كـنتُ أدري أن أرى iiثُكْلَهُ
عاد الإمام الحسين (عليه السلام) إلى المخيم يوم عاشوراء وهو منحني الظهر ، وإذا بعقيلة بني هاشم زينب الكبرى ( عليها السلام ) إستقبلَتهُ بِعبدِ الله الرضيع (عليه السلام) قائلةً : أخي ، يا أبا عبد الله ، هذا الطفل قد جفَّ حليب أُمِّه ، فاذهب به إلى القوم ، عَلَّهُم يسقوه قليلاً من الماء .
فخرج الإمام الحسين (عليه السلام) إليهم ، وكان من عادته إذا خرج إلى الحرب ركب ذا الجناح ، وإذا توجه إلى الخطاب كان يركب الناقة .
ولكن في هذه المَرَّة خرج راجلاً يحمل الطفل الرضيع ( عليه السلام ) ، وكان يظلله من حرارة الشمس .
فصاح : أيها الناس ، فَاشْرَأَبَّتْ الأعناق نحوه ، فقال (عليه السلام) :ـ
أيُّها الناس ، إن كان ذنب للكبار فما ذنب الصغار .
فاختلف القوم فيما بينهم ، فمنهم من قال : لا تسقوه ، ومنهم من قال : أُسقوه ، ومنهم من قال : لا تُبقُوا لأهل هذا البيت باقية .
عندها إلتفت عُمَر بن سعد (لعنه الله ) إلى حرملة بن كاهل الأسدي ( لعنه الله )(5).
وقال له : يا حرملة ، إقطع نزاع القوم .
يقول حرملة : فهمت كلام الأمير ، فَسَدَّدتُ السهم في كبد القوس ، وصرت أنتظر أين أرميه .
فبينما أنا كذلك إذ لاحت مني التفاتة إلى رقبة الطفل ، وهي تلمع على عضد أبيه الحسين ( عليه السلام ) كأنها إبريق فِضَّة .
فعندها رميتُهُ بالسهم ، فلما وصل إليه السهم ذبحه من الوريد إلى الوريد ، وكان الرضيع مغمىً عليه من شدة الظمأ ، فلما أحس بحرارة السهم رفع يديه من تحت قِماطِهِ واعتنق أباه الحسين (عليه السلام) ، وصار يرفرف بين يديه كالطير المذبوح ، فَيَالَهَا من مصيبة عظيمة .
وعندئذٍ وضع الحسين (عليه السلام) يده تحت نَحرِ الرضيع حتى امتلأت دماً ، ورمى بها نحو السماء قائلا :
اللَّهم لا يَكُن عليك أَهْوَنُ مِن فَصِيلِ نَاقةِ صَالح ، فعندها لم تقع قطرة واحدة من تلك الدماء المباركة إلى الأرض ، ثم عاد به الحسين (عليه السلام) إلى المخيم .
فاستقبلَتهُ سُكينة وقالت : أَبَة يا حسين ، لعلَّك سقيتَ عبدَ الله ماءً وأتيتنا بالبقية ؟
قال (عليه السلام) : بُنَي سكينة ، هذا أخوكِ مذبوحٌ من الوريد إلى الوريد .
لقد تذكر حرملة(عليه اللعنه) أنه حينما إستهدف عبدالله الرضيع بنبله المسموم ذو ثلاث شعب فذبحه من الوريد الى الوريد وهو على يدي أبيه سيد الشهداء وسبط الرسول ، حفر والده الإمام الحسين (عليه السلام) بغلاف سيفه قبرا صغيرا خلف الخيمة ودفن جثمانه الصغير، فذهب إلى محل الدفن وحفر القبر وإستخرج جثة عبدالله الرضيع (عليه السلام) وقطع رأسه بخنجره وأتى به إلى تلك القبيلة الفاقدة للرأس ، فعلقوا رأس عبدالله عليه السلام فوق الرمح، ولأن الرأس كان صغيرا ، والرمح أكبر منه، ولم يقف على الرمح، ربطوه بالحبال إلى أن انتصب على الرمح ، و أمه الرباب تنظر إليه...
و هكذا رفع وقطع نزاع القوم ، كما رفعه من قبل حينما طلب الإمام له ماءا، فحصلت بلبلة وهمهمة بين القوم، ولكنه قطع ذلك النزاع، بسهم ذو ثلاث شعب ذبحه من الوريد إلى الوريد...
روي المنهال أنه لما أراد الخروج من مكة بعد واقعة الطف بسنوات ، إلتقى هناك الإمام علي بن الحسين زين العابدين السجاد.
وسأله الإمام السجاد (عليه السلام) عن حرملة ، فقال : هو حي بالكوفة ، فرفع الإمام يديه وقال: ( اللهم أذقه حر الحديد ، اللهم أذقه حر النار ).
ولما قدم المنهال الى الكوفة قصد المختار ، وبينما هو عنده إذ جاءه بحرملة ، فأمر بقطع يديه ورجليه ثم رميه في النار ، فأخبره المنهال بدعاء زين العابدين (عليه السلام) على حرملة.
فإبتهج المختار كثيرا لأن إجابة دعوة الإمام السجاد (عليه السلام) تحققت على يده (6).
×××××××××××××××××××××××××
المصادر
(1) مستدركات علم رجال الحديث لسماحة الشيخ علي النمازي الشاهرودي.
(2) كتاب ( نصوص في نوابغ الشيعة وشخصيات بارزة منهم في العصور المختلفة) منقول من كامل التاريخ.
(3) نقل الدكتور لبيب بيضون في موسوعته ( موسوعة كربلاء ) ترجمة مصغرة للرباب زوجة الإمام الحسين (ع) من كتاب الاغاني .
(4) موسوعة كلمات الإمام الحسين (ع) الصادرة عن لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (ع).
(5) بحار الأنوار .
(6) سفينة البحار، إثبات الهداة .