لا زلت أتذكر، كيف أنه وقبل خمس سنوات على الأقل، كانت مواقع التواصل تضجّ بحملات تهاجم حفلات الزفاف النسائية، وتنعتها بالغير عقلانية، وتنتقدها "من طأطأ للسلام عليكم"؛ في محاولة لتخفيف مصاريفها..
كان المفترض أن تنخفض مصاريف الزواج.. ولكن على العكس تماماً، وجدناها تتضاعف!! ولكن من الجانب الرجالي هذه المرة!
ففجأة، لبست حفلات الزفاف الرجالية ثوباً غير ثوبها، وأخذت تضجّ بالمبالغات حتى أصبحت مزعجة عوضاً عن كونها مُكلِفة! فبدلاً من أن تأخذ ما لا يزيد عن عشر دقائق لتبارك لصديق على زفافه، أصبحت تحتاج إلى ما لا يقل عن نصف ساعة! والفضل في ذلك يعود إلى "الطربة" الجديدة، مصور يصور كلّ مُبارِك مع العريس على حدة، وبطريقة احترافية، حتى وإن كان لا يعرف أيّ منهما الآخر! وكنتيجة لهذه الحركة، أصبحت طوابير التباريك مملة وطويلة إلى حدّ لا يطاق، وقد تضيق به الحسينية فيصل إلى الخارج، وهذا ما حصل فعلاً في أحد الأعراس! وفي حال كنت تنوي الذهاب إلى أكثر من حفل زفاف، وفي أكثر من منطقة... فلابدّ من أنك ستحتاج إلى التضحية بأحدهم "لعيون المصوّر"!
ومن جانب آخر، ظهرت موضة البوفيهات المفتوحة التي تمتدّ بطول الحسينية، وتمتلئ بشتّى أنواع المأكولات والمشروبات، ولا أحتاج هنا إلى أن أخبرك -عزيزي القارئ- بكميات الطعام التي تبقى دون أن يأخذها أحد، أو عن الكميات التي يكون مأواها أكياس القمامة، لأن الناس تأخذ كميات لا تتناسب مع حاجتها البتّة!
وبالطبع لن أنسَ فرق الأهازيج، تلك التي بدأنا نتفاخر في أن إحداها من الكويت، وأخرى من البحرين، والأحساء... وهلمّ جرّا.. وبالطبع؛ يفقد الحفل طابعه المحلّي، وزهوته التي كنّا نراها.. فبتنا نسمع أناشيد بألحان لا نعرفها ولا نألفها، بل وحتى بكلمات لا نفهمها.. ليس فقط لكونها غريبة، بل لأن أصواتها مرتفعة ومزعجة إلى حدّ أنك تشعر بالصداع بعد الخروج من القاعة.. هذا فضلاً عن ذكر بعض المظاهر "المضحكة" التي تتفنن بها بعض الفرق، فلا زلت أتذكر كيف أن أحدها أقامت "جلوات" للعريس بالطريقة النسائية تماماً، في منظر بدا شاذاً وغير مناسب بتاتاً.
وبالطبع، لتوضيح الصورة أكثر، لن أغفل حفلات الخطوبة.. الموضة التي "كسّرت" على كلّ ما سبق! فلا فرق تماماً بين حفلات الخطوبة والزفاف، غير أن "المعرس" لا يرتدي البشت! فسابقاً، كان العقد يُجرى في جوّ عائلي، مع صلوات وأهازيج بسيطة، ووليمة عشاء.. أما الآن، فهناك المصوّر الاحترافي بفلاشاته الضخمة، والبوفيه الطويل، وفرقة الأهازيج! لا أدري هنا، ماذا تركنا للحفلات النسائية؟ بل ماذا تركنا فيها لننتقد؟ يصرخ العريس من تكاليف الحفلات النسائية، بينما يسهب هو في المبالغة في المظاهر التي لا عائد منها سوى قائمة الديون التي تزداد تدريجياً، وسلب حفلات الزفاف بهجتها المعروفة شيئاً فشيئاً..
فأنا بدأت أفتقد حقاً مسيرات الزفّة المُبهجة، منظر الشموع التي تلتصق بالصحون بواسطة التمر، وأهازيج الناس تصدح في "زرانيق" القرية.. أفتقد أيضاً منظر الأطفال من أقارب العريس وهم يتراكضون بصواني الشاي والعصير والكعك البسيط، والذين استبدلوا بصحون على الطاولة، وعمّال آسيويون يطوفون بالشاي.. أفتقد كذلك صوت المُلا وهو يقرأ المولد باللحن الجميل، والناس من حوله تصفق وتصلي على النبي وآله بنغم جميل..
أجل، بدأت الحفلات تفقد زهوتها، في خطّ موازٍ للمبالغة في مصروفاتها، وأخذت تقلّد الحفلات النسائية في كلّ شيء.. بعد أن كنّا ننتقدها وندعوهم للحدّ من مظاهر الإسراف، بذريعة الحديث الشريف "أقلّهن مهراً أكثرهنّ بركة"، وأغفلنا أنفسنا، ونحن نلبس ثوباً غير ثوبنا.. فبعد بضعة سنوات، وإن لم تكن بعد أشهر.. ستصبح حفلات الخطوبة، المصور الاحترافي، الفرقة والبوفيه.. من أساسيات الزفاف التي يُعتبر إغفالها "عيب ومايصير".
علي سليس، 22 شوال 1435